سفر طوبيا والتقليد الحكمي
يستند مؤلف سفر طوبيا استناداً واضحاً الى قصة أخيكار الحكيم أو حكمة أخيكار وهي مؤلف أدبي معروف جداً في العالم القديم حتى عند اليونانيين إذ ان إييزوبس اقتبس منها في امثاله أمن المصادفة ان تكون مستعمرة أليفانتين اليهودية في مصر المكان الذي عثر فيه على أقدم رواية لها والتي ترتقي الى القرن الخامس قبل المسيح ؟ يرجح أن أخيكار هو شخصية تاريخية ووزير للملكين سنحاريب فأسرحدون ( فتوسط لي أخيكار فعدت إلى نينوى ذلك بأن أخيكار كان رئيس السقاة وأمين السر ورئيس الشؤون الإدارية والحسابات على عهد سنحاريب ملك أشور، وقد ثبته آسرحدون في مناصبه وكان آبن أخي ومن قرابتي ) سفر طوبيا 1 / 22 ( وعلى عهد آسرحدون الملك عدت الى منزلي وردت لي حنة آمرأتي وطوبيا آبني وفي عيدنا العنصرة وهو عيد الأسابيع المقدس أقيمت لي مأدبة فاخرة وجلست للطعام ) سفر طوبيا 2 / 1 ( وغير عالم بأن في الحائط عصافير دورية فوقي فوقع ذرقها في عيني وهو سخن فأحدث بقعا بيضاء فذهبت إلى الأطباء لمعالجتها وكنت كلما أكثروا من وضع المراهم أزداد عمى بسبب البقع البيضاء حتى عميت تماما وبقيت أربع سنوات لا أبصر بعيني فاغتم جميع إخوتي لأمري وأعالني أخيكار مدة سنتين قبل ان يذهب إلى ألمايس ) سفر طوبيا 2 / 10 وأن بالغت الاسطورة في تجميل صورته لم يكن له ولد فتبنى ابن أخيه نادان ليخلفه في البلاط الملكي ولقنه اصول الحكمة بسلسلة من النصائح في شكل حكم لكن نادان بعد أن شارك أباه الذي تبناه ( وقدم أخيكار وناداب ابنا عمه يشاركان طوبيت في الفرح ) سفر طوبيا 11 / 18 استخف بالحكمة التي لقنه إياه وافترى الكذب على المحسن إليه فساقه الى التعذيب وكان لأخيكار اصدقاء كسبهم بحكمته فخباه الجلاد وفي آخر الأمر أعيدت اليه كرامته فوجه الى ابن اخيه سلسلة من اللوائم في شكل امثال وألقاه في السجن حيث مات ( وأي يوم تدفن أمك إلى جانبي ففي ذلك اليوم لا تبت في هذه البلاد فإني أرى أن فيها إثما كثيرا وأن خداعا كثيرا يرتكب فيها ولايخجلون أنظر يا بني كل ما صنعه ناداب إلى أخيكار أبيه الذي رباه ألم يكن مضطرا إلى النزول حيا الى بطن الأرض؟ لكن الله رد التشنيع على وجه فاعله فخرج أخيكار الى النور ودخل ناداب في الظلام الابدي لأنه حاول قتل أخيكار وبالتصدق أفلت أخيكار من الفخ القاتل الذي نصبه له ناداب ووقع ناداب في الفخ القاتل الذي أهلكه ) سفر طوبيا 14 / 10
أما في سفر طوبيا فان أخيكار الشهير هذا يظهر بمظهر ابن اخي طوبيت ( فتوسط لي أخيكار فعدت إلى نينوى ذلك بأن أخيكار كان رئيس السقاة وأمين السر ورئيس الشؤون الإدارية والحسابات على عهد سنحاريب ملك أشور وقد ثبته آسرحدون في مناصبه وكان آبن أخي ومن قرابتي ) سفر طوبيا 1 / 22 وفي ذلك سبيل الى رد شهرة ابن الاخ التي لا جدل فيها الى العم والى شعبه والى جانب ذلك يبدو أن بنية قصة طوبيت نفسها تقلد بنية حكمة اخيكار فقد نال طوبيت شأن اخيكار حظوة ملك أشور ثم فقدها ( آتاني العلي حظوة لدى شلمناسر فكنت أتسوق له كل ما يحتاج إليه فأذهب إلى ميديا وآتسوق له فيها حتى وفاته فأودعت جبعئيل أخا جبري في راجيس ميديا أكياسا من الفضة تبلغ عشرة قناطير ولما مات شلمنآسر وملك سنحاريب ابنه مكانه فأغلقت طرق ميديا لم أعد أستطيع الذهاب إليها في أيام شلمنآسر تصدقت كثيرا على إخوتي بني قومي فكنت أقدم خبزي للجياع وثيابا للعراة وإذا رأيت أحدا من بني أمتي قد مات وألقي من وراء أسوار نينوى كنت أدفنه وإذا قتل سنحاريب أحدا عند عودته هاربا من اليهودية في أيام العقاب الذي أنزله به ملك السماء بسبب التجاديف التي فاه بها، كنت أدفنه لقد قتل في غضبه كثيرا من بني إسرائيل فكنت أسرق جثثهم وأدفنها وكان سنحاريب يبحث عنها فلا يجدها وقدم احد سكان نينوى فأخبر الملك في شأني بأني أدفنها فآختبأت ولما بلغني أن الملك عالم بأمري وأنه يسعى لقتلي هربت خفية فآستولى على كل ما هو لي ولم يترك لي شيء إلا صودر لبيت المال عدا حنة امرأتي وطوبيا آبني ) سفر طوبيا 1 / 13 - 20 ووجه مثله الى ابنه سلسلتين من الحكم ( فآستدعى طوبيا آبنه فذهب إليه فقال له إذا مت فادفن جسدي دفنا حسنا وأكرم والدتك ولا تتركها جميع أيام حياتها وآعمل ما يطيب لها ولا تحزن نفسها بأي أمر كان أذكر يا بني المخاطر التي تعرضت لها من أجلك وأنت في أحشائها وإذا ماتت فآدفنها إلى جانبي في القبر نفسه وآذكر الرب يا بني جميع أيامك ولا ترض بأن تخطأ وتتعدى وصاياه إعمل أعمال البر جميع أيام حياتك ولا تسلك سبل الإثم فإن عملت بالحق نجحت في أعمالك شأن الذين يعملون بالبر تصدق من مالك ولا تحول وجهك عن فقير فوجه الله لا يحول عنك تصدق بما عندك وبحسب ما يتوفر لك إن كان لك كثير فآبذل كثيرا وإن كان لك قليل فآبذل قليلا ولكن لا تخف أن تتصدق فإنك تذخر لك كنزا حسنا إلى يوم العوز لأن الصدقة تنقذ من الموت ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة الصدقة تقدمة حسنة لجميع صانعيها أمام العلي إحذر لنفسك يا بني من كل فاحشة وقبل كل شىء آتخذ آمرأة من نسل آبائك لا تتخذ أمرأة غريبة لا تكون من سبط أبيك لأننا آبناء الأنبياء أذكر يا بني نوحا وإبراهيم وإسحق ويعقوب آباءنا منذ القدم فإنهم جميعا آتخذوا نساء من عند إخوتهم فنالوا البركة في أولادهم ونسلهم يرث الأرض والآن يا بني أحب إخوتك ولا تستكبر بقلبك على إخوتك على بني أمتك وبناتها وآتخذ آمراة من بينهم ففي الكبرياء خراب وآضطراب كثير وفي البطالة فقر وعوز شديد لأن البطالة أم المجاعة أجرة كل إنسان يعمل لا تبت عندك إلى الغد بل آدفعها له لساعته وإن عملت لله تكافأ كن متيقظا يا بني في جميع أعمالك وكن مهذبا في جميع تصرفاتك وكل ما تكرهه لا تفعله بأحد من الناس لا تشرب خمرا حتى السكر ولا يرافقك السكر في طريقك من خبزك أعط الجائع ومن ثيابك العراة من كل ما توفر لك تصدق وإذا تصدقت فلا تندم عينك أفض خبزك على قبور الأبرار ولا تعط الخاطئين إلتمس مشورة كل رجل حكيم ولا تحتقر كل مشورة مفيدة بارك الرب إلهك في كل حين وآسأله أن تكون طرقك تويمة وسبلك ومقاصدك في طريق النجاح فليست الفطنة لكل أمة لأن الرب هو الذي يعطيهم الإرادة الحسنة وهو يرفع أو يحط من يشاء إلى أعماق مثوى الأموات والآن يا بني اذكر هذه الوصايا ولا تغب عن قلبك ) سفر طوبيا 4 / 3 - 19 ( والآن يا أبنائي فإليكم وصاياي إعملوا لله بالحق وآصنعوا ما يروق في عينيه وليعرض على أولادكم عمل البر والصدقة وليذكروا الله ويباركوا آسمه في كل حين بالحق وبكل قوتهم والآن يا بني فآخرج من نينوى ولا تقم هنا وأي يوم تدفن أمك إلى جانبي ففي ذلك اليوم لا تبت في هذه البلاد فإني أرى أن فيها إثما كثيرا وأن خداعا كثيرا يرتكب فيها ولايخجلون أنظر يا بني كل ما صنعه ناداب إلى أخيكار أبيه الذي رباه ألم يكن مضطرا إلى النزول حيا الى بطن الأرض؟لكن الله رد التشنيع على وجه فاعله فخرج أخيكار الى النور ودخل ناداب في الظلام الابدي لأنه حاول قتل أخيكار وبالتصدق أفلت أخيكار من الفخ القاتل الذي نصبه له ناداب ووقع ناداب في الفخ القاتل الذي أهلكه والآن يا أبنائي آنظروا ماذا تصنع الصدقة وماذا يفعل الإثم أنه يقتل ولكن ها إن نفسي تخرج ووضعوه على الفراش فات ودفن ببهرام ) سفر طوبيا 14 / 8 - 11 يبدو أن بعضها مقتبس من اخيكار نفسه ولكن حيث خان نادان كان طوبيا أميناً للحكمة التي تلقاها فقد يكون ذلك نوعاً من الايحاء بأن الحكمة التي علمها طوبيت الشيخ الكبير تفوق حكمة اخيكار على كل حال ففي ذلك ايضاح للفن الادبي الذي يصف به هذا الكتاب فهو رواية شعبية تطمح الى التعليم والحكمة
اعداد الشماس سمير كاكوز
تعليقات
إرسال تعليق